يستيقظ أحمد (24 سنة) مع ساعات الصباح الاولى من كل يوم ويغادر بيته متجولاً بين محطات بيع الوقود في بغداد ليجمع ما يتمكن من تحصيله من وقود السيارات. وبعد أن يجمع حصيلته يفترش الرصيف ويتقمص شخصية «ابن السوق»، واضعاً جانباً ما تعلمه في كلية العلوم السياسية التي تخرج فيها قبل سنتين. على الرصيف ينهمك أحمد في عمله بائعاً لوقود السيارات، ناسياً، او متناسياً، آماله الكبيرة التي تحطمت على صخرة «المحاصصة الطائفية» ليجد نفسه شخصاً آخر لم يتعرف الى ملامحه بعد.
وللحكاية بداية: فأحمد الذي يحمل بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بغداد راح يبحث منذ سنتين عن «وظيفة محترمة» كان يمني نفسه بها كطالب متفوق في اختصاصه. دق أبواب معظم مؤسسات الدولة، لكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح. ويقول أحمد انه قدّم طلبات توظيف الى غالبية وزارات الدولة ومؤسساتها حتى تلك التي لم يكن قد فكر بها لبعدها عن مجال اختصاصه، ويضيف: «لأنني لا انتمي الى أحد الأحزاب كان من الصعب عليّ ان أجد وظيفة في مؤسسات سيطرت عليها الطوائف». وحتى فكرته في التطوع في صفوف الجيش جرفتها الرياح، إذ وجد ان عليه ان يدفع مبالغ لم يجد في جيوبه الخاوية شيئاً منها.
أحمد يقف اليوم على أرصفة الشوارع المختلفة يلوح بيده الى السيارات المارة عسى ان تقف واحدة منها للتزود بالوقود من «محطته المتنقلة» كما يسميها ساخراً. يرتدي بزة العمل الموشحة ببقع دهنية وأخرى سود جاءته من السيارات التي تقف عنده، وهي بزة لا تخطئ عين الناظر إليه كبرها على جسمه النحيل، فهي تعود الى والده الذي امتهن بيع الوقود بعد خروجه من الجيش اثر قرار حلّه في أعقاب الحرب الاخيرة عام 2003.
ويقول أحمد: «بعدما سدت فرص العمل أمامي طلبت من والدي ان يترك لي عمله، فقد آن الأوان له ان يرتاح وجاء دوري لأعيل عائلتي وأرعى أمي وشقيقتيّ الصغيرتين».
ويردد احمد على نفسه أسئلة باتت تؤرقه: «اذا كان هذا هو مصيري ومستقبلي الذي لم أتوقعه يوماً، فما فائدة شهادتي الجامعية التي حصلت عليها؟ هل كنت أبدد وقتي في الدراسة التي أوصلتني الى ما يمكن أن يؤديه أي إنسان أمي؟».
ولا تنتهي أزمة أحمد التي تنطبق على مئات الشباب العراقيين غيره عند هذا الحد. فالشيء المهم عنده الآن هو حبيبته منى، زميلته السابقة في الجامعة التي وعدها بالزواج وما زالت تنتظر على رغم مرور سنتين على تخرجهما معاً. ويؤكد احمد انه بات يتهرب من منى ولا يعرف كيف يكلمها وماذا يقول لها وهو الذي «وعدها بأشياء اكبر من هذا الوضع الذي وجد نفسه فيه»، على حد قوله.
ويتابع أحمد بأسى: «منى تقول انني تغيرت تماماً ولم اعد ذلك الشخص الذي كانت تعرفه على مقاعد الدراسة، فمنذ شهور لم اسمعها جديداً من قصائدي التي كنت اكتبها في حبنا».
ويعزو احمد تغيره هذا الى تدهور وضعه الاقتصادي وانهيار طموحاته بعدما أصبح همه الوحيد إعالة أسرته. لا يعرف ماذا ينتظره غداً، ولا يدري ما هو مستقبله ومصير علاقته مع منى التي اصبح زواجه منها اقرب الى الحلم.
ويختتم أحمد بالقول: «بدأت أقتنع بوضعي الجديد الذي لا مفرّ منه، واقتنعت أيضاً بلقبي الجديد. فبعدما كان زملاء صفي ينادونني بـ «أحمد الشاعر» اصبح اسمي هو «احمد أبو البنزين».