عن جريدة الوسط الكويتية الأحد 12/8/2007
مركز الشؤون الدولية الأميركي عن مصير العراق:
ثلاثة سيناريوهات بينها الدكتاتورية الوطنية
على خلفية الفوضى التي يشهدها العراق بعد زيادة عديد القوات الأميركية هناك واستمرار الدعوات لخروج أميركي مبكر من العراق وخوف إقليمي من تداعيات ما يحدث، عقدت مجموعة من كبار الباحثين في «مركز الشؤون الدولية» في جامعة نيويورك ورشة عمل تحت عنوان «العراق بعد العام 2010»، وخلصت الورشة إلى ان هناك ثلاثة سيناريوهات يمكن ان تتمخض عنها الحالة العراقية:
السيناريو الأول:
ديكتاتورية وحدة وطنية يتولى زعامتها قائد عسكري يخرج من أتون الفوضى ليوحد العراقيين بمنأى عن التأثيرات الإقليمية والدولية بعد ان يقضي على التمرد والجماعات الإرهابية، وتشير الدراسة إلى أنه ليس من الضروري ان يكون ذلك الديكتاتور علمانيا بل يتخذ موقفا وسطا بين كل الجماعات والإثنيات التي تقسم العراق الآن، لكن ظهوره لن يتحقق إلا بعد الانسحاب الأميركي من العراق، وهو قومي عراقي لا قومي عربي يقوم بتوحيد العراقيين بعد خروج الأميركيين بين 2010 و2012 مستغلا ضعف الإدارة الحكومية والتوترات بين شيوخ القبائل والمقاتلين الأجانب ويوّحد العراقيين تحت راية طرد الإرهابيين واستعادة الاستقرار.
كما ان ظهور مثل هذا القائد سيكون مفاجئا إذ ان أي محاولة أميركية لإسناد هذا الدور لشخص صديق ستكون لها نتائج عكسية. ويرى معدو الدراسة ان بروز مثل هذا القائد سيكون أفضل للمصالح الأميركية على المدى الطويل، وتحدثت الدراسة عن احتمال ان يتمكن الجنرال عبود قنبر الشيعي العراقي الجنوبي، الذي عين قائدا للقوات العراقية في يناير الماضي، من القيام بهذا الدور برغم المشكلات الكثيرة التي سيواجهها، ولا سيما مع الأكراد الذين يعني ذلك نهاية حكمهم الذاتي، وإذا ما ظهر مثل هذا الديكتاتور يمكن لأميركا التعاون معه بتوفير منطقة حظر طيران تمكنه من ضرب قواعد تدريب المتمردين، وأعرب الباحثون عن اعتقادهم بأن إيران لن تعترض على زعيم كهذا إن كان شيعيا أو سنيا يحظى بتأييد المرجع الديني علي السيستاني لرغبتها في استقرار الوضع العراقي. أما سورية فستقايض فك عزلتها الدولية بتأييد هذا الزعيم، ومع تخوف السعودية من تكرار سيناريو العلاقة مع صدام حسين، فإنها ستؤيد بروز مثل هذا الرجل إذا ما تعاون معها في محاربة تسلل الإرهابيين من العراق إلى أراضيها. أما الولايات المتحدة فعليها التنسيق معه في محاربة الإرهاب وحض الجيران على دعمه وعدم التدخل في الشأن العراقي، إضافة إلى كبح جماح إسرائيل وحثها على إشراكه في معادلة السلام الإقليمية.
السيناريو الثاني:
احتواء الوضع العراقي وبشكل جماعي من جانب الدول الإقليمية، خشية امتداد حالة الفوضى إلى دول الجوار مع ما يعنيه ذلك من احتمال نشوب حروب طائفية إقليمية تؤثر على أنظمة الحكم في تلك البلدان حتى في الوقت الذي تخوض فيه بعض تلك البلدان حربا بالوكالة على التراب العراقي، ويقول الباحثون ان كل اللاعبين، باستثناء تركيا، مستعدون لإبقاء الوضع العراقي على ما هو عليه شريطة ألا يمتد ليطالهم. لكن مثل هذا الوضع سيتغير إذا ما كسب أحد أطراف المعادلة العراقية الجولة. في مثل هذه الحالة سيعزز الشيعة سيطرتهم خارج بغداد بينما يتخلى الأكراد عن محاولات كبح جماح حزب العمال الكردستاني مما يستدعي تدخلا تركيا لملء الفراغ بعد الخروج الأميركي. لكن ليس من مصلحة إيران تكريس وجود عسكري على الأرض العراقية لأن ذلك سيثير الكثيرين. لكن لو تدخلت تركيا فستتدخل إيران في الجنوب بحجة حماية الشيعة. وفي سورية قد تفضي موجات اللاجئين إلى حالة من عدم الاستقرار مما يدفع النظام هناك لمحاولة منع تسلل المقاتلين إلى العراق أو فرض قيود على دخول اللاجئين، ولن تكون إسرائيل بحاجة للتدخل، إذ ستعول على الولايات المتحدة في وضع حد لطموحات إيران النووية في النهاية، وسيحاول الإرهابيون إحداث مزيد من الفوضى باستهداف المنشآت النفطية في بلدانهم إضافة إلى نشر موجة من عدم الاستقرار فيها بعد خروجهم من العراق، لكن الولايات المتحدة ستقاوم محاولات التدخل التركية في العراق وتدفع إسرائيل لعقد سلام مع الفلسطينيين والعرب لموازنة الثقل الإيراني. لكنها قد تضحي من جانب آخر بالقضية الفلسطينية وتسمح للدول العربية برفع وتيرة لغتها المنمقة ضد إسرائيل لتحقق الاستقرار للأنظمة وتكسب مصداقية في مواجهة إيران. لكن في النهاية يمكن لهذا السيناريو ألا يتحقق إلا أنه سيؤد ي إلى واحد من السيناريوهين الآخرين.
السيناريو الثالث:
انتقال العدوى العراقية إلى الجوار وشيوع حالة من عدم الاستقرار الإقليمي. وفي مثل هذه الحالة فإن استمرار تدفق اللاجئين العراقيين وتنامي مشاعر التطرف لدى الكثيرين من العرب وتصاعد الأعمال الإرهابية والمحاولات المتعمدة من جانب بعض المتنافسين الإقليميين لنشر حالة من عدم الاستقرار في دول مجاورة سيؤدي إلى تصعيد الموقف وخروجه عن نطاق السيطرة. وسيتصاعد التنافس الإقليمي على النفوذ مع عدم قدرة طرف على مواجهة آخر مباشرة مما سيفضي إلى حروب بالوكالة. لكن حدوث ثورة على النمط الإيراني في دولة عربية رئيسة في ظل ظروف كهذه قد يغير المشهد السياسي تماما ويعيد ترتيب أولويات السياسة الخارجية في المنطقة. وربما امتد الصراع أكثر مع الفوضى في إمدادات النفط في حال هاجم الإرهابيون المنشآت النفطية أو انتقمت إيران بفعل هجوم أميركي، هنا يصبح العراق أشبه بـ «حقول القتل» بدل ان يكون لاعبا سياسيا أو عسكريا، وقد تغزو تركيا العراق لقمع الأكراد مما يزيد من الأعمال الإرهابية ويتعاون اللاجئون العراقيون في مصر مع الإخوان بينما يدعون في سوريا والأردن إلى حشد القوى لقلب نظامي الحكم فيهما. وربما فضلت تركيا التدخل عسكريا لمنع تسلل المقاتلين الأكراد ليصبح شمال العراق خاصرتها الجنوبية مما يؤدي لتصادمها مع إيران. وستحاول إيران الانتقام من الولايات المتحدة عبر عناصر لها في الكويت والسعودية أو تتحدى تركيا في كردستان، وقد ترى إيران ان من مصلحتها احتلال جنوب العراق لحماية الشيعة. لكن ظهور جيل جديد من القادة على نمط أحمدي نجاد ربما يدفع هؤلاء إلى تصدير الثورة كحل وحيد لوضع حد للهيمنة الإقليمية للسنة. وستستخدم إيران مجموعات إرهابية حليفة كرافعة لها مع بعض الأنظمة في المنطقة وتدعوها إلى نشر حالة من الفوضى في حال تمت مهاجمتها، وربما ينشب صراع كبير لو تم ضرب منشآت نفطية على يد عناصر موالية لإيران في بعض بلدان المنطقة.
وهناك عوامل عديدة يمكن ان تزعزع الوضع في سورية، فقد يتفاقم الوضع بفعل بعض العناصر نتيجة شعور بالتهميش من جانب بعض الفئات مما يدفع بعض الجماعات السنية إلى محاولة تغيير الأوضاع. وربما نجحت العناصر الجهادية في العودة إلى سورية مما يشجع على عودة جيل من السلفيين الذين يهددون نظام الحكم والمتعاونين معه، وستكون السعودية عرضة لضربة إيرانية إذا ما هوجمت الأخيرة وربما اختارت مصر ان تكون وسيط سلام في المنطقة لا سيما أن الإخوان المسلمون لا يحبذون نشوب صراع سني ـ شيعي، وهنا تكون فرصة مصر في استعادة زعامتها للعالم العربي، أما الولايات المتحدة فستهب لنجدة أي نظام عربي بتصعيد مواجهتها مع إيران إذا ما قررت الأخيرة زيادة زعزعة الوضع في العراق. وقد تختار ضم دول الخليج لمظلتها النووية لحمايتها من إيران، وبالطبع فهذا السيناريو ليس في مصلحة أي من دول المنطقة على المدى الطويل، لكن هناك قوى كثيرة تبقيه قابلا للتحقق ومنها ازدهار الجماعات الإرهابية في العراق التي ترى في الفوضى حليفا ولها طموحاتها. كما ان الانقسام السني الشيعي في العراق ينتشر إقليميا وإيران لها ماض يتسم بحب الهيمنة، والأنظمة العربية لا تشعر بالاطمئنان، وفي النهاية لا بد للولايات المتحدة من التصرف بمنطق المصلحة الذاتية حيث ستكون مصداقيتها قد تآكلت في المنطقة مع وجودها حتى العام 2012.